ما الذي حصل للموظفين؟
الكثير منا يتساءل عن أسباب تغير طبيعة الموظفين الذين يعملون حالياً في سوق العمل والحقيقة أنه وخلال بضعة سنوات لا تتجاوز الخمسة حصلت تغييرات كثيرة أدت إلى تغيير جذري في طريقة تفكير الأفراد المنضمين حديثاً إلى الوظائف التي تطرحها الشركات
قد لا يتسع المجال في هذا المقال لذكر جميع هذه العوامل التي أدت إلى التغيرات غير المألوفة والتي أثرت بشكل كبير على سلوكيات موظفي الجيل الجديد لكن من أبرزها
- الشعبية العالية التي اكتسبها من يسمون ((بالمؤثرين)) على وسائل التواصل الاجتماعي والمبالغ المالية التي يتقاضونها بالإضافة إلى الوهم بحياة سهلة وثرية والذي يبيعونه عن طريق هذه الوسائل فأصبح الشاب يشاهد من هو في نفس عمره ولا يملك أي مقومات تعليمية أو خبرات عملية في العديد من الحالات وقد أصبح مشهوراً وينشر صور سفراته وحياته الفارهة بينما هو لا يزال يبحث عن وظيفة!
- كذلك هناك تأثير التداول في العملات الرقمية والذي أخذ يحلم بسببه الكثير من الشباب بالثراء السهل وبتحقيق أحلامهم الوردية عن طريق صفقة العمر
- وأتى وباء كورونا ليعزز مفهوم العمل عن بعد فأصبح الجميع وبعد انتهاء الجائحة يمني النفس بالبقاء في المنزل والعمل بساعات مرنة دون الحاجة للذهاب للمكتب أو الاستيقاظ باكراً وساعد التطور التكنولوجي السريع لبرامج اتصالات الفيديو لترسيخ هذا المفهوم فأصبح وكأنه الأصل وصارت كبرى الشركات تعاني من اقناع موظفيها بالعودة إلى العمل من المكتب كما كان الوضع سابقاً
- أما ريادة الأعمال وفكرة أن الوظيفة عبودية فكان لها نصيب الأسد من التأثير على فكر الشباب وطريقة تخطيطهم لحياتهم فالكل يريد أن يصبح رائد أعمال وصاحب عمل وأصبحنا نلاحظ أن منصب رئيس تنفيذي أو مؤسس أصبح بمتناول الجميع بعد أن كان يحتاج إلى عشرات السنين من الخبرة والعمل الدؤوب والمشكلة الأكبر أن أكثر الموظفين حالياً يعملون في شركاتهم مع وجود خطط لديهم لبدء مشاريعهم الخاصة وهذا ليس خطأ لكن الخطأ في أن يكون الموظف يعمل في شركة ويصر على العمل عن بعد لكي يُعطي الأولوية لعمله الخاص دون معرفة الشركة التي يعمل بها والتي تلاحظ إدارتها بعد فترة من توظيفه أن انتاجيته منخفضة وأنه يتغيب كثيرا عن العمل ويحضر متأخراً وحتى عندما يحضر تظهر عليه آثار السهر كونه كان يعمل على مشروعه خلال الوقت الذي تدفع له الشركة عليه راتباً ليعمل لها
المشكلة الآن كيف أقنع موظفاً يعيش كل ما سبق بما كنا نعتبره من البديهيات؟
كالحضور للعمل واحترام رأي المدير وعدم التأخر واكمال ساعات عمله وأن الراتب الذي يتقاضاه هو ثمن هذا العدد من الساعات التي يجب عليه احترامها وتخصيص كل دقيقة منها لصالح الشركة التي تدفع له راتبه؟
الموظفون في زمن التغييرات
لا شك أن العالم اليوم يشهد تغيرات جذرية في سوق العمل وفي طبيعة الموظفين الذين يعملون فيه. على مدار السنوات القليلة الماضية، حدثت تغيرات عديدة أثرت بشكل كبير على تصور الموظفين وسلوكياتهم في العمل. في هذا المقال، سنتطرق إلى بعض العوامل الرئيسية التي أدت إلى هذه التغييرات غير المألوفة والتحولات البارزة التي طرأت على الموظفين في هذا العصر.
1. الشعبية العالية للمؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي
أحد العوامل الرئيسية التي أثرت على تصور الموظفين هو انتشار الشعبية العالية لما يسمى بـ “المؤثرين” على وسائل التواصل الاجتماعي. فالشباب يشاهدون هؤلاء المؤثرين وهم يحظون بشعبية كبيرة ويتلقون مبالغ مالية هائلة عن طريق هذه الوسائل. يبدو للشباب أن حياة الرفاهية والثراء سهلة الوصول ومتاحة للجميع، حتى بدون مؤهلات تعليمية أو خبرات عملية. وبالتالي، يبدأ الشباب في محاولة تحقيق نفس المستوى من الشهرة والثراء دون الحاجة للعمل التقليدي.
2. تأثير التداول في العملات الرقمية
عامل آخر أثر على الموظفين هو تأثير التداول في العملات الرقمية. حيث يحلم الكثيرون من الشباب بتحقيق الثراء السريع وتحقيق أحلامهم الوردية عن طريق التداول في هذه العملات. يعتقد البعض أنه بصفقة واحدة يمكنهم تحقيق الثروة الفورية وتحويل حياتهم. هذا التطلع قد يؤثر على استقرارهم في وظائفهم الحالية وقد يكون لديهم اهتمام أكبر في تحقيق الثروة من خلال التداول في العملات الرقمية بدلاً من التركيز على العمل التقليدي.
3. تأثير جائحة كوفيد-19 والعمل عن بعد
لم يكن هناك أي شك بأن جائحة كوفيد-19 ستؤثر بشكل كبير على سوق العمل وعلى الموظفين. أصبح العمل عن بعد هو الحل الرئيسي للشركات لضمان استمرارية الأعمال وسلامة الموظفين. بالفعل، أصبح العمل عن بعد هو الأسلوب الأساسي للعمل في العديد من الشركات. أصبح الناس يتطلعون للعمل من المنزل والاستفادة من ساعات عمل مرنة بدلاً من الذهاب إلى المكتب يومياً. تساعد التكنولوجيا المتقدمة وبرامج الاتصال عن بُعد على تعزيز هذا المفهوم وجعله أمراً طبيعيًا. وعلى الرغم من انتهاء الجائحة، لا تزال الشركات تواجه صعوبة في إقناع الموظفين بالعودة إلى العمل في المكاتب كما كانت الأمور سابقاً.
4. ريادة الأعمال وتغيير طبيعة العمل
تأثرت تصورات الشباب أيضاً بفكرة ريادة الأعمال والاستقلالية في العمل. أصبح من الجاذبية أن يكون الفرد صاحب عمله الخاص ورائد أعمال ناجح. لاحظنا أن منصب الرئيس التنفيذي أو المؤسس أصبح في متناول الجميع في الوقت الحاضر، حتى بدون سنوات عديدة من الخبرة والعمل الجاد. ومن هنا، يعمل العديد من الموظفين حالياً في شركاتهم الحالية مع وجود خطط لبدء مشاريعهم الخاصة في المستقبل. وعلى الرغم من أن هذا ليس خطأ في حد ذاته، إلا أن المشكلة تكمن في أن بعض الموظفين يعملون في شركاتهم الحالية دون أن يولوا الاهتمام الكافي للعمل الذي ينفذونه، حيث يعطون الأولوية لمشاريعهم الشخصية دون أن يأخذوا في الاعتبار الشركة التي يعملون بها. تلاحظ إدارة الشركة بعد فترة من توظيفهم أن انتاجيتهم منخفضة، وأنهم يتغيبون كثيراً عن العمل ويحضرون متأخرين. وحتى عندما يحضرون، تظهر عليهم آثار السهر نتيجة العمل على مشاريعهم الشخصية خلال الوقت الذي يدفع لهم الشركة رواتبهم.
الآن، تعتبر التحديات هي كيف يمكن اقناع الموظفين الحديثي الأعمار بأن هذه الأمور التقليدية مهمة وأساسية لنجاحهم في العمل؟ كيف يمكننا إعادة ترسيخ أهمية الحضور في العمل واحترام آراء المدير وعدم التأخر واكتمال ساعات العمل؟
الحل يكمن في أن الشركات يجب أن تؤمن بحق الموظف بأن يصبح صاحب عمل في يوم من الأيام وألا يتم محاربته لطموحه المشروع، بل يجب أن يحس الموظف بالدعم والانتماء للشركة وأنها أول داعم له في مشروعه الخاص.
هذا الشعور قد يدفع بالموظف إلى التفكير بمشروع مكمل لعمل الشركة أو خدمات إضافية تؤدي إلى استفادة الطرفين عوضاً عن شعوره بالمحاربة والضغط من الشركة مما يدفعه للتفكير بمشروع ينافس فيه شركته الحالية.
كما أنه يجب توفير بيئة عمل محفزة ومثيرة للاهتمام للموظفين. يجب أن تعمل الشركات على تحفيز الموظفين من خلال تقديم فرص للتطوير المهني والتدريب والترقيات. يجب أيضاً أن يتم توفير بيئة عمل مرنة ومتوازنة تسمح للموظفين بتحقيق توازن جيد بين العمل والحياة الشخصية. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تكون هناك قنوات فعالة للتواصل والتفاعل بين الموظفين وإدارة الشركة، حيث يمكن للموظفين أن يعبروا عن أفكارهم ومخاوفهم وأيضاً أن يشعروا بأنهم جزء مهم من العملية التنظيمية.
بشكل عام، يتعين على الشركات أن تدرك أن تغير طبيعة الموظفين هو أمر لا يمكن تجاهله. يجب أن يتكيفوا مع التغيرات ويبحثوا عن الحلول المبتكرة للحفاظ على استقرار ورضا الموظفين في بيئة العمل الحديثة.
كما أن على الموظفين احترام مصالح شركاتهم التي يعملون بها وعدم استغلال أي مورد من موارد الشركة دون علم الإدارة لصالح مشاريعهم الخاصة، ويجب عليهم معرفة أنهم مُلزمون بالعقد الذي قبلوه وأنهم موظفين في الشركة حتى آخر ساعة دوام قبل تركهم لعملهم لصالح إنشاء مشاريعهم الخاصة.